ثورة فبراير 2011 – محاولة هادئة لقراءة اجتماعية ونفسية وسياسية (1-3)
يمنات – صنعاء
جلال محمد الحلالي
الكتابة حول ثورة وشباب فبراير في هذا الجو المزدحم عاطفياً والمفارق عقلياً سيُغضب الكثيرين.
فالكتابة بموضوعية – في هذا المقام – أشبه بضرب من ضروب المجازفة غير المحسوبة، وكالمشي على رؤوس الأصابع داخل حديقة غناء زُرعت ألغاماً.
دعوني أحسم موقفي حولها في البداية دون مراوغة، فلا أمسي مديناً لأحدٍ بأي توضيح بعد هذه العبارة الصريحة: –
أعتقد “أن ثوره فبراير أعظم تجليات الوعي واللاوعي في العقلية السياسية والاجتماعية للشعب اليمني، وأنها أهم اختراق للانغلاق الحضاري اليمني المزمن، وهي الإبنة الشرعية لثورتي سبتمبر وأكتوبر، لكنها فشلت مرحلياً”.
تلك هي قناعتي؛ فهل أنا مؤهل للدفاع عنها؟
استعنا على الشقا بالله:-
يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل ” أنا لست مستعداً للموت من أجل قناعاتي لأني لا أثق بها.” I would never die for my beliefs because I have no faith on them”.”
وأنا كذلك لا أثق كثيراً بأفكاري. واعتماداً على نظرية الانتخاب الطبيعي لداروين – القائمة على فكرة “البقاء للأقوى” – سأتخلى عن فكرتي عندما تنقض عليها فكرة أقوى.
السؤال الأول: هل فبراير ثورة؟!!
أعتقد أن شروط كل الثورات هي توفر التالي :- شباب في حالة هياج؛ مخاطرة غير محسوبة العواقب؛ مطالبة بالتغيير الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي؛ قوة معنوية أخلاقية متملكة لأرواح الشباب؛ فشل ذريع لعهد سابق؛ فساد حكم؛ جيل قديم استأنس السكون؛ قيادات شابة مستنيرة فكرياً؛ انتهازيون؛ وأحلام مثالية تتجاوز كثيراً الشروط الاجتماعية.
كل تلك الشروط متوفرة فيها. إذن هي ثورة يقيناً؟ وطبيعة أي ثورة أن تختزن بذور فشلها ونجاحها في داخلها، وأن يتباين الناس حولها حد الخصام، فلم تنجو ثوره من ذلك، وحين تفشل يحملها المنتصرون كل خطاياهم.
السؤال الثاني:- هل جاءت في موعدها؟!
سأجيب على هذا السؤال بسؤال مقابل:- هل كان نظام الرئيس صالح – رحمه الله – قادر على الاستمرار؟ أم أنه استنفد كل شروط البقاء. أما شروط الصلاح السياسي فقد أُهدرها جميعها قبل نفاد شروط البقاء بزمن طويل.
لا اعتقد أن أحداً قادر على القول إن نظام صالح كان مازال صالحاً للاستمرار بعد أن أخفق في النهوض باستحقاقات شرعية الإنجاز السياسي والاقتصادي، وبعد أن صفى معظم خصومه السياسيين والقبليين والدينين والعسكريين فتداعوا علية كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها في تحالف مصالح انتهازي لتمسي المعركة معه معركة صفرية.
لا يستطيع أحد ان يجادل، وفي ذات الوقت يحتفظ بالموضوعية، ويدعي أن شباب فبراير كانوا وراء انقسام أركان التحالف الحاكم ( صالح، محسن، الأحمر).
الرئيس السابق – الموجود حاليا بين يدي الله – وضع لنفسه مؤشراً خاصاً للنجاح وقاس إنجازاته وفقاً لهذا المؤشر.
لم يكن المؤشر بناء دولة القانون؛ فالقانون والدستور كانا لعبتين في يده!
لم يكن المؤشر أيضاً بناء النظام الديمقراطي؛ فالديمقراطية لا تسمح لحاكم فرد بالبقاء على كرسي الحكم لأكثر من ثلاثة عقود.
وكما لم يكن المؤشر أيضاً التنمية؛ فاليمن في عهد ابن اليمن “البار” فشلت في كل مؤشرات التنمية وباتت في مقدمة صفوف الدول الفاشلة.
هنا أيضا سيجد كل من يتهم جيل فبراير بسلسلة الإخفاقات الكارثية في كل مواضيع التنمية أنهم في حالة عداء مع قضية أخلاقية مهمه في التحليل؛ إنها الصدقية!
إذن ما هو هذ المؤشر الذي اعتمده صالح كمقياس للنجاح؟
المؤشر هو:- “طول مدة البقاء السياسي على الكرسي” كمقياس وحيد لنجاحه.
يستطيع أنصار صالح الإدعاء إن فترة حكمه هي الأطول والأكثر استقراراً من بين كل الرؤساء السابقين؟ السلال، الإرياني، قحطان الشعبي، سالمين، فتاح، ناصر، البيض وغيرهم.
لعل أهم سياسة انتهجها صالح لتحقيق هذا المؤشر هي: إنتاج وإعادة انتاج قوى سياسية أسوأ من نظامه، فضمن بذلك البقاء السياسي الطويل.
كان يقول مخاطبا اللاوعي الجمعي اليمني،، من لكم غيري في وجود هذه الأفاعي التى صنعتها.
صالح هو أعمق من عرف النفسية اليمنية بكل تفاصيلها، وأقدرُ من تعاطى معها وأكثرهم مهارة في تسخيرها لتأبيد حكمة.
هل كان صالح شيطاناً؟ كلا.. صالح ابن بيئته السياسية والاجتماعية، وسيكون ضرب من الجنون محاكمته على أساس البيئة السويسرية مثلاً.
شخصية صالح شعبية إلى درجة كبيرة، وبسيطة ومركبة في ذات الوقت.
يستطيع محبو صالح الدفاع عنه والتغني بمزاياه من خلال عقد مقارنات بسيطة بينه وبين خصومه. تلك المقارنات هي سر بقائه لأنها جميعاً لصالحه. كما يستطيعون التذكر بوضوح وتذكير من غفل بصفات المروءة التي تحلى بها الرجل، لاسيما الكرم والشهامة والوفاء لأصاحبه.
كل تلك الصفات جعلت منه شخصاً قريباً جداً من نفسية الناس.
صالح أيضاً لم يكن دموياً كصدام. في المقابل لم يكن أيضاً حمامةسلام كالقاضي عبد الرحمن الإرياني.
لا يعجز أي دكتاتور من أن يكون له محبين وأشياع يتغنون بصفاته الحميدة تماماً كما فعل محبو الإمام أحمد رحمه الله وعلى رأسهم الأديب الكبير الاستاذ أحمد محمد الشامي . وأتذكر هنا ما ذكره غير مرة رائد الحركة الوطنية الأستاذ أحمد النعمان في مذكراته من صفات الوفاء والمروءة والتسامح التي كانت في الإمام أحمد!
تلك هي السياسة،،، ليس فيها شيطان وليس فيها ملاك. لكن فيها رجل لديه مشروع للوطن كالإرياني والحمدي وسالمين ورجل تبلور مع الزمن لديه مشروع خاص تجلي بوضوح في التوريث كالرئيس “الصالح”.
لا ريب أن الجميع بدون استثناء لا يمكن ان يتهم شباب وشابات فبراير بهندسة موضوع التوريث الذي كان أمضى قشة قصمت ظهر صالح في مقتل.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.